منتدى محسن الشامل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى محسن الشامل

سياسى, رياضى, ساخر


    تأملات في الأمر بالمعروف‏..‏ والقتل علي مذبح الإيمان‏!‏

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 842
    تاريخ التسجيل : 20/05/2012

    تأملات في الأمر بالمعروف‏..‏ والقتل علي مذبح الإيمان‏!‏  Empty تأملات في الأمر بالمعروف‏..‏ والقتل علي مذبح الإيمان‏!‏

    مُساهمة  Admin الثلاثاء يوليو 17, 2012 1:28 am

    لعل جريمة قتل طالب الهندسةالشاب بمدينة السويس‏,‏ وما خلفته من شعور بالهوان لدي فتاته‏,‏ والثكل لدي أمه‏,‏ والعجز لدي أبيه‏,‏ والقلق لدينا جميعا‏,‏ هي إحدي أقبح الجرائم التي شهدتها مصر الثورة‏,‏

    إذ تمثل مشهدا دراميا حزينا, ونموذجا عمليا لما يمكن أن نكونه, وأن نعانيه, إذا ما انفلت حبل القانون من أيدينا,وحلقت غيوم الدولة الدينية علي أيامنا, طافحة بالشر الذي يتصوره البعض مقدسا, والقهر الذي يراه الكثيرون شرعا, والرعب الذي يرونه جميعا إصلاحا وتهذيبا.
    لقد أدان الإخوان الجريمة, ونفاها السلفيون, وتبرأت منها الجماعة الإسلامية, وقد تكون الإدانة صادقة, والنفي حقيقي, والتبرؤ صحيح, ولكن جميعهم يظلون مسئولين, فإن لم يكن تنظيما معينا ارتكب الجريمة فقد ارتكبها نوع من الفكر, وشت به خطابات, ومهدت له تصرفات, بل دعا إليه بعض شيوخ السلفيةصراحة, وأخص منهم هنا الشيخ حازم أبو اسماعيل, الذي كان مرشحا قبل أشهر رئيسا لمصر, فإذا به يحرض علي قتل أبنائهم, بحديثه المتلفز والمستفز عن ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, حتي وقعت الواقعة التي هي جريمة منكرة في حق المصريين, وطعنة نافذة في قلب دولتهم الراسخة, ومدنيتهم العريقة, وتسامحهم الموروث.
    يتصور أولئك القتلة أنهم ينتصرون للإسلام وهم يدسون أنفه في تراب العنف والدم, يتصورون إعلاء كلمته وهم يشوهون صورته في العالم أجمع. حيث صارت الجريمة عنوانا لكثير من صحف العالم, وغلافا لأبرز مجلاته. يجهلون أن الدين سلام وأن الله محبة.. أن الإيمان إخلاص, والعقيدة ضمير, والخلاص النهائي مكافأة إلهية, يمنحها الله لنا جزاء وفاقا لإيماننا الداخلي, وعملنا النقي, وسعينا الدءوب إليه, وإن تعثر السعي, وتشوه العمل, وتنوع الإيمان, فالله خالق لا قاتل, رحيم رغم كونه قادرا.
    يذهب هؤلاء بفهمهم الجامد لفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلي الحد الذين يصبحون معه سلطة علي الإيمان, وسلطانا علي الضمير, تحاسب وتعاقب, تحاكم وتقتل باسم الله, مستحلة دماء لعلها أزكي من دمائهم, وأرواحا لعلها أطهر من أرواحهم, وسرائر لعلها أنقي من سرائرهم.. يتجاهل هولاء أن الأمر بالمعروف لا يكون إلا بالحكمة التي يفتقرون إليها, والموعظة الحسنة التي لا يقدرون عليها. كما يغفلون عن حقيقة أن المعروف,كالمرذول, لم يعد سرا دفينا, بل صار أمرا منشورا تتناقله قنوات التلفزة, وأثير الإذاعة وأوراق الصحف ليل نهار, وأن الفضيلة تحتاج إلي إرادة, بأكثر مما تحتاج إلي معرفة, فالخير إرادة أهله, والشر اختيار صحبه, وإذا كان من حق الإنسان أن يكفر, فإن من حقه أن يفجر, ولا سلطان لأحد عليه سوي الله, وكل سلطان آخر ليس إلا من بنات الدولة الدينية, ما يعني أن دورهم المزعوم لم يعد له محل في ثقافتنا الحديثة التي يريدون وأدها, وفي دنيانا الواسعة, التي يسعون إلي تضييقها.
    يجهل هولاء مغزي العلاقة التي أرادها الإسلام بين الله والإنسان, كعلاقة شفافة تتجاوز كل صنوف التوسط وشوائب الكهانة, إلي ذروة التلاحم بين خالق قادر ومخلوقات واعية, تصلي له لتتواصل معه, تدعوه فيستجيب لها, من دون حاجة لأي سلطة خارجية تحدد معاييرها الخاصة للخطأ والصواب, ففي الإسلام لا يعدو رجل الدين أن يكون فقيها, له فقط حق التعليم أو التفسير, من دون احتكار لقراءة أو تأويل كتابه المقدس( القرآن الكريم) الذي يقرأه الجميع بشرط وحيد موضوعي وهو العلم بأساليب البيان, وليس بشرط انتقائي تحكمي كالانتماء, مثلا, للسلك الكهنوتي. وقد ترتب علي ذلك أن الإسلام العام/ السني لم يشهد قط ظاهرة السلطة الدينية المهيكلة في هرم تراتبي, وإن وجدت علي استحياء في مراحل متأخرة داخل المذهب الشيعي علي نحو ما تجسده فكرة ولاية الفقيه, وترتيب آيات الله فهو وجود استثنائي لا ينبع من النص القرآني, ولا من روح العقيدة, بل نبت في مراحل تالية من رافدي الصراع السياسي/ المذهبي, والتدهور التاريخي/ الحضاري.
    .. ورغم إصرار القرآن الكريم علي إثبات تلك العلاقة الشفافة بين الإله المتسامي, والإنسان العاقل, فإنه لم يقع في أسر الإدراك المثالي المتفائل عن إنسان لا يخطيء, بل تسامت بصيرته إلي إدراك كنه ذلك الإنسان الذي تعتوره عوامل الضعف وضغوط الحس, وتدفعه به نحو الخطيئة ولكنه, بفعل إيمانه, لا يستسلم أبدا,باحثا دوما عن طريق البراء والعودة إلي الله, الذي شاءت إرادته أن يظل بابه مفتوحا أمام عبده. فإذا كان الله يحب العابد العارف له ابتداء, فإنه يحب العبد المنيب إليه انتهاء وربما أكثر, لأن في توبته شعورا عميقا بألم الإثم الذي ارتكبه رغم حلاوته في نفسه, وهو إذ يقلع عنه, إنما يضع حبه لله قبل حبه لذاته, وهو ما يدركه الله فيحب العبد ويرحمه مهما تكرر خطؤه.
    وبرغم جدل الفقهاء الطويل حول أولوية أي من العمل أو الإيمان في تحقيق الخلاص, فإن التيار السني الواسع يؤمن بأن المؤمن قد يرتكب الخطايا من دون أن يفقد الإيمان, ولا تحق عليه اللعنة إلا إذا تفاخر بخطيئته,وأن رحمة الله سوف تنقذه ما دام قد بقي علي إيمانه, فلا خلود لمؤمن في العذاب.. يقول جل شأنه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء..( النساء:48). وهكذا ينفتح الباب أمام الإنسان إلي نيل الرحمة الإلهية من دون وساطة غيره علي نحو يحرر روحه, ويطلق إرادته, ولعل هذا هو سر العبقرية الكامنة في عقيدة التوحيد.
    وقد حاول الرسول الكريم أن يستنطق تلك العبقرية عندما أمعن في تصوير رحمة الله ليجعل الرجاء فيه والحب له, أساس كل علاقة بيننا وبينه, كي نتجاوز ضعفنا بقوته, ونسمو علي قصورنا بكماله, إذ يروي عن ربه في حديث قدسي: أذنب عبد ذنبا, فقال: اللهم أغفر لي ذنبي. فقال الله تبارك وتعالي: علم عبدي أن له ربا يغفر ذنبه ؟- قد غفرت له.. ثم عاد فأذنب. فقال: أي رب: أغفر لي ذنبي, فقال الله تبارك وتعالي: علم عبدي أن له ربا يغفر ذنبه ؟- قد غفرت له.. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب: أغفر لي ذنبي, فقال الله تبارك وتعالي: علم عبدي أن له ربا يغفر ذنبه ؟ قد غفرت لعبدي, فليفعل ما شاء.
    هل يدفعنا ذلك الحديث الشاهق إلي استمراء المعصية والولوج عميقا في طريق الخطيئة؟ كلا والله فليس ذلك إلا النفاق في أعلي درجاته, بل يدفع بنا الي العناق الحتمي للخير, والفراق الأبدي للشر ولو طال عمره وامتدت أسبابه.. إلي الطريق الرحيب الجامع بين الإيمان والحرية تكريسا لرسالة الاستخلاف الإنساني علي الأرض, والتي صاغ القرآن الكريم دستورها الأزلي إذ يقول جل شأنه: من عمل صالحا فلنفسه, ومن أساء فعليها.. ( الجاثية:15).

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء سبتمبر 25, 2024 1:16 pm