منتدى محسن الشامل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى محسن الشامل

سياسى, رياضى, ساخر


    سيناء تستنجد بالجيش

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 842
    تاريخ التسجيل : 20/05/2012

    سيناء تستنجد بالجيش Empty سيناء تستنجد بالجيش

    مُساهمة  Admin الأربعاء أغسطس 08, 2012 4:19 am

    استوقفني وأنا أقرأ ما تورده الصحف بشأن الحادثة الأليمة التي وقعت مؤخرا في سيناء خبرا لا علاقة له بما جري هناك لكن فحواه تبين ما يتعين أن يتوافر هناك‏.‏

    لخبر يفيد بأن سكان شارع الغريب بمنطقة ميت عقبة عاشوا حالة من الذعر إثر نشوب مشاجرة بالأسلحة النارية أسفرت عن إصابة ثلاثة أشخاص تم القبض عليهم. أما باقي أطراف المشاجرة فهربوا( فور) رؤيتهم رجال الأمن, الذين واصلوا جهودهم لضبط المتهمين وتقديمهم للعدالة. النصف الأول من الخبر سييء أما النصف الآخر فمبشر. الجانب السيئ هو أن الفوضي انتشرت وأن حمل السلاح واستعماله أصبح ظاهرة متكررة. أما الجانب المبشر فهو أن هيبة الدولة ما زالت حاضرة لكنها ليست كاملة. فقد فر المتشاجرون بمجرد أن رأوا رجال الأمن. وتلك هي قيمة مؤسسات الأمن: تردع أكثر مما تقمع. مجرد وجود أفرادها بين الناس وهم يسيرون بملابسهم ومعداتهم يجعل كل فرد يحسب ألف حساب للقانون فلا يخرج عليه أو ينتهكه. حضورهم يعني للمواطن أن الدولة حاضرة للردع. ما وقع في سيناء لا يبعد كثيرا عما جري في ميت عقبة وغيرها من الأماكن في مصر. الفارق بين رفح وميت عقبة ليس في بعد المسافة وإنما في أن ما حدث في سيناء كان أضخم وأعقد وأشد خطرا. لكنه وقع لنفس السبب وهو غياب الدولة...الدولة يا عالم... يا ناس... يا خلق هو...الدولة هي الحل. غابت في سيناء طويلا. ليس فقط بعد ثورة يناير وإنما قبلها ولمدة طويلة. غياب يجب أن يجعلنا نخجل من أنفسنا ويدفعنا لطلب الصفح من سيناء وأهلها وفتح صفحة جديدة نتعلم فيها من أخطاء الماضي. ومن يري في الإحساس بالخجل من الذات مبالغة, فأدعوه أن يراجع الكتاب المتميز للواء فؤاد حسين الصادر في1996 بعنوان شعبنا المجهول في سيناء. والعنوان في حد ذاته مؤلم, أو يرجع إلي المرحوم الدكتور جمال حمدان وكتابه سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا المنشور في.1993 ولأن اللواء حسين له باع في المعرفة بسيناء وتولي من قبل مناصب في المخابرات الحربية, فقد حذر منذ وقت بعيد من خطورة تهميشها وإهمالها وكيل الاتهامات لأهلها, معتبرا أن الحكم علي سيناء بالموت المدني يحمل نذر شر للوطن بأكمله في المستقبل. وهو ما رأينا بالأمس القريب صورا منه للأسف الشديد. ولم يكن المرحوم جمال حمدان ليغفل عن تنبيه المصريين لأهمية سيناء. قال إنها ليست مجرد صندوق من الرمال وإنما صندوق من الذهب. لكنها أهملت اقتصاديا والأخطر استراتيجيا برغم أنها خط دفاع مصر الأول والأهم. ولهذا طالب حمدان بعد انتصار أكتوبر أن يكون انسحاب يونيو1967 آخر انسحاب مصري من سيناء في التاريخ, وأن يكون خروج الإسرائيليين بعد1973 من سيناء آخر خروج لهم من مصر منذ يوسف وموسي. ولم ير ضمانة لذلك إلا بتعمير سيناء التي يتخذها الأعداء إما بالضم أو بالسلخ أو بالعزل وسيلة لمعاقبة مصر. ليست الحادثة الأليمة عند الحدود المصرية مع غزة وإسرائيل إلا رسالة جديدة تنبه كل حراس الوطن إلي قيمة سيناء وضرورة حضور الدولة والمجتمع فيها بقوة. فالحادث أليم يجرح نرجسيتنا الوطنية ويستفز مشاعرنا. لكنه يحمل رسائل عديدة سطرت بدم هؤلاء الشهداء البررة الذين لا يكفي الغضب والثأر لرد الدين إليهم, وإنما يجب فهم معني استشهادهم وما يحمله من رسائل لكل حراس الوطن: للجيش والمخابرات, للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني, للمسيحيين والمسلمين, للإعلاميين والدعاة, للمحافظين ورجال الأعمال. فكل مواطن يعيش في مصر هو من حراس مصر.
    الرسالة الأولي: إن السيولة علي الأطراف الجغرافية للدولة لا تقل خطورة عن السيولة في قلبها إن لم تكن أشد خطرا. فمناطق التخوم والمواقع الحدودية تعد معابر يفضي عدم إحكام الزمام عليها إلي تعريض الوطن لمخاطر مثل تهريب السلاح والمخدرات ودخول عناصر أجنبية تهدد أمن واستقرار الدولة. وهذا ما حدث في سيناء. غابت عنها الدولة فعاشت حالة سيولة استغلتها جماعات تكفيرية منحرفة لتبني لنفسها مواقع محكمة للتدريب والهجوم والحشد, مهددة الوطن في علاقاته الخارجية وتماسكه الداخلي. وتلك السيولة لابد أن توقف.
    الرسالة الثانية: إن المرحلة الانتقالية السخيفة التي عاندنا أنفسنا واخترنا لها أسوأ مسار نحتاج أن ننهيها بأقصي سرعة. فالجيش انشغل كثيرا بالسياسة, ويصعب علي أي جيش أن ينغمس في الشأن الداخلي دون أن يؤثر ذلك علي دوره علي الحدود. كما أن أعداء الوطن, أيا كانت هوياتهم, لن يفوتوا وهم يرون الساحة السياسية المصرية منقسمة فرصة إلا واستغلوها. حادثة سيناء جرس إنذار يدعو المصريين إلي أن يسموا فوق خلافاتهم, فينجزوا الدستور بسرعة ويتوقفوا عن الإسراف في مقاضاة بعضهم بسبب خلافات يمكن أن تحل بالتوافق السياسي. تلك الفوضي الانتقالية يجب أن تنتهي.
    الرسالة الثالثة: إن ممارسة الدولة لسيادتها علي أراضيها لا تحتاج إلي استئذان من أحد. مصر تحترم تعهداتها الدولية, وهذا رائع. لكن عليها واجبات محلية والتزامات داخلية لا بد أن تؤديها. ولا تعارض بين الاثنين. فالاتفاقية مع إسرائيل يجب أن تبقي لكن بعض بنودها يجب أن يتغير وفورا. فلا يمكن أن تطالب مصر بضمان الأمن في سيناء دون أن تتمتع بالوسائل اللازمة لذلك. من مصلحة الأمن الإقليمي أن يستتب الأمن الداخلي في سيناء بزيادة عدد قوات الجيش والشرطة. وتلك الزيادة أمر سيادي لا يقبل استئذان أو ينتظر تصريحا.
    الرسالة الرابعة: إن الحادث ينبهنا لننأي بأنفسنا عن صراعات لا تخصنا وإن كان لنا دور فيها. يجب ألا تأخذنا إسرائيل لمخاصمة الفلسطينيين ويجب بالمثل ألا يدفعنا الفلسطينيون إلي مغامرة ضد إسرائيل. وعلي النخب السياسية المصرية أن تحذر من الدخول في سجالات ضد بعضها لتبرئ أو تدين بغير دليل. التحقيقات يجب أن تجري بدقة وتعلن نتائجها بشفافية لكي يوجه العقاب للمسئولين عن الجريمة بمن فيهم كل من قصر علي الجانب المصري. كما يجب ألا تشغلنا الحادثة عن المهمة التي قامت من أجلها الثورة وهي إعادة بناء مصر لتكون أقوي اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا.
    الرسالة الخامسة تخص سيناء التي لا تزال مهمشة, وتهميشها هو الذي يجعلها إلي اليوم مسرحا للآلام والدموع بدلا من أن تكون مصنعا للنماء. أهل سيناء مصريون لهم حق في التنمية يجب أن يحصلوا عليه. فلا يعقل أن مصر التي حاربت لتسترد سيناء تعود فتهملها. إن الحادثة الأخيرة جاءت كاشفة لظلم بين وقع علي سيناء, يحتاج التخلص منه إلي تأسيس مجلس أعلي لشئون سيناء برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية مسئولين من بينهم وزراء الدفاع والداخلية والمالية والاستثمار ورئيس المخابرات ومحافظو سيناء وممثلون عن وجهائها. فسيناء ليست فناء خلفيا نراكم فيه مخلفات الوطن, بل واجهة للوطن وبوابة يجب حمايتها وتحصينها. فكل ما يجري عندها ينتقل إلي الوطن بأكمله.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء سبتمبر 25, 2024 1:23 pm