منتدى محسن الشامل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى محسن الشامل

سياسى, رياضى, ساخر


    خطورة إعطاء الأزهر دور المرجعية بالدستور

    avatar
    monam


    المساهمات : 3
    تاريخ التسجيل : 06/09/2012

    خطورة إعطاء الأزهر دور المرجعية بالدستور Empty خطورة إعطاء الأزهر دور المرجعية بالدستور

    مُساهمة  monam الخميس سبتمبر 06, 2012 2:50 pm

    هناك اتجاه في اللجان الفرعية التابعة للجنة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور يقضي بالاحتفاظ بالمادة الثانية من الدستور

    التي تنص علي أن مباديء الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وهو اتجاه محمود لأنه يقضي علي أسباب الفتنة التي تسعي بعض التيارات إلي غرسها بين مسلمي وأقباط مصر.
    لكن ثمة خلافا داخل الجمعية حول تضمين الدستور مادة تنص علي أن يكون الأزهر هو المرجعية النهائية في تفسير مباديء الشريعة الاسلامية, بحيث يصير الأزهر هو الحكم الذي يفصل في أي خلاف حول المقصود بتلك المباديء. الأمر الذي أثار خلافا داخل الجمعية يحسن أن ندلي برأينا فيه. فلا شك أن هذا التوجه يعكس تقديرا للدور التاريخي للأزهر في مسيرة الاسلام في مصر والعالم الاسلامي, وللدور الوسطي الذي يضطلع به الأزهر حاليا في اعادة السفينة المصرية الي مسارها الصحيح بقيادة الدكتور أحمد الطيب, وهو رجل له من اسمه نصيب كبير. لكن هذا التقدير, الذي لاخلاف عليه, شيء والنص علي أن يكون الأزهر هو المرجعية التفسيرية للدستور في مسائل الشريعة الاسلامية شيء آخر مختلف تماما. فمن ناحية, فإن النص علي مرجعية لمؤسسة دينية في الدستور يعني بناء سلطة دينية عليا لم يأت عليها نص شرعي فضلا عن أن أهل السنة والجماعة قد توافقوا منذ القدم علي عدم وجود تلك السلطة.
    من ناحية أخري, فالأزهر ليس مؤسسة نمطية صماء نعرف شكل مرجعيتها التفسيرية مقدما لأن تلك المرجعية لم تكن أبدا ثابتة أو محددة سلفا طوال تاريخه. فقد اختلف دور الأزهر منذ انشائه حتي اليوم اختلافا كبيرا. وتراوح الدور السياسي للأزهر وبالذات علاقته بالسلطة مابين نموذجين. الأول يمكن أن نسميه النموذج الكفاحي المستقل حيث يقوم الأزهر بدور مستقل عن السلطة السياسية بل ويعمل علي ترشيدها والضغط عليها لحماية مصالح البشر, ومقاومة المحتلين. فيروي الجبرتي أن الأزهر كان مركزا للمقاومة ضد الحملة الفرنسية رغم تعاون بعض شيوخه مع الفرنسيس في بعض اللحظات.
    أما النموذج الثاني فهو النموذج المهادن والذي ينهض علي مفهوم طاعة الحاكم حتي لو كان جائرا. ففي بعض الحالات هادن شيخ الأزهر الحكام, كما حدث عندما تعاون الشيخ عبد الله الشرقاوي مع نابوليون, كما أيد الدكتور الفحام ثورة التصحيح الساداتية التي أطاح فيها بخصومه دون جريمة قانونية.
    اختلف نموذج دور الأزهر أيضا باختلاف شخصية من تولي منصب المشيخة من ناحية, ومدي توافر السياق الاجتماعي المساند للشيخ للقيام بدور كفاحي مستقل من ناحية ثانية, ومدي بطش السلطة السياسية من ناحية ثالثة, ومدي وجود مؤسسات سياسية فعالة من ناحية رابعة. ذلك أن العوامل الشخصية المتعلقة برؤية الشيخ لدوره وعلاقته بالسلطة, ومتي استعداده لمقاومة ضغوطها, والمذهب الديني الذي ينتمي اليه كلها عوامل تشكل دوره الاجتماعي والسياسي. ومن ناحية ثانية, فإن توافر حركة اجتماعية سياسية ساعية الي مقاومة جور السلطة, أو حركة مقاومة حقيقية للمحتل يدعم قدرة شيخ الأزهر علي الاضطلاع بدور كفاحي.
    من ناحية أخري, فإن دور شيخ الأزهر يعتمد علي مدي استعداد السلطة السياسية للتسامح مع قيامه بدور مستقل عنها, وعلي مدي وجود المؤسسات الفعالة التي تتمتع بقدر من الحرية. ومن ثم فإن الأزهر قام بأدوار متفاوتة اعتمادا علي السياق الاجتماعي الذي يعمل في اطاره.
    نحن علي اطمئنان بأن الأزهر سيلعب دورا اعتداليا وسطيا في عهد شيخه الحالي. وهذا الدور مستمد من شخصية الرجل وتكوينه الفكري. لكن من يضمن أن يسير شيوخ الأزهر التالين له علي المنوال ذاته. أليس واردا أن يصعد الي هذا المنصب الجليل أحد غلاة المتطرفين من ذوي العقل المنغلق ويقوم باستثمار هذا النص في الدستور لدعم اتجاهه المتشدد خاصة أنه سيكون محصنا بالدستور مما يعطيه سندا قويا لصبغ مصر بطابعه دون خشية حتي من المحكمة الدستورية؟
    هذا الاعتراض ليس انتقاصا من دور الأزهر ولكنه تنزيها له من أن يوظف في المعارك السياسية فيما بعد. فضلا عن أنه تأمين للمستقبل مما تخفيه الأيام.
    ومن ثم فإنه من الأولي عدم النص في الدستور علي دور للأزهر. وإنما يمكن النص بندين يعالجان هذه المسألة. أولهما أن تكون وثيقة الأزهر الصادرة في يونيو سنة2011, ووثيقة الأزهر الثانية المعروفة بوثيقة الحريات الصادرة في يناير سنة2011 هما المرجع في تفسير مباديء الشريعة الاسلامية, أو في تفسير مايختلف عليه في الدستور بأسره علي أن يتم وضع الوثيقتين ضمن وثائق لجنة صياغة الدستور وضمن مذكراتها التفسيرية للعودة إليهما مستقبلا عند الحاجة إليهما.
    في تلك الحالة نكون أمام نصوص محددة ومستمرة بصرف النظر عن الأشخاص. وثانيهما أن يترك مسألة تفسير مباديء الشريعة الاسلامية للمحكمة الدستورية العليا. وقد قامت تاريخيا بهذا الدور. ففي ذلك دعم لدورها في النظام القضائي المصري من ناحية وترسيخ لمرجعية قانونية مصرية محايدة, أما ترك المسألة لمرجعيات دينية متفاوتة الميول والهوي فإنه يحمل في طياته أخطارا جسيمة فضلا عن أنه يهمش من دور المحكمة الدستورية ونحن في المرحلة الحالية في حاجة إلي مساندتها في وجه الهجمة الغاشمة عليها.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء سبتمبر 25, 2024 1:14 pm