منتدى محسن الشامل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى محسن الشامل

سياسى, رياضى, ساخر


    مشكلة العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 842
    تاريخ التسجيل : 20/05/2012

    مشكلة العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين  Empty مشكلة العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين

    مُساهمة  Admin الإثنين سبتمبر 10, 2012 11:00 am

    يميل الميزان التجاري المصري الصيني بدرجة كبيرة لصالح الصين‏.‏ تستورد مصر من الصين بما يقترب من ثمانية مليارات دولار في حين تستورد الصين من مصر بما يقترب من مليار ونصف المليار دولار فقط‏.‏

    وهذه ليست سابقة في العلاقات الدولية الاقتصادية, ولن تكون. في أوقات كثيرة يميل الميزان التجاري لصالح دولة علي حساب دولة أخري. ولكن في حالتنا هذه, المصرية الصينية, ونحن ندخل مرحلة تجارية جديدة بين البلدين كذلك ونحن نريد إعادة بناء وطننا علي أساس تنموي نادت به ثورة الشباب, لابد من وقفة جادة, في هذا الشأن, مع الداخل المصري.
    فالتفاوت في الميزان التجاري بين بلدين قد يقبل في وقت من الأوقات ولكنه لا يقبل في وقت آخر. في هذا الوقت الآخر لابد أن يعالج. يقبل هذا التفاوت في حالة ما كان بسبب غير السبب الذي هو عليه الآن بين مصر والصين. في فترة سابقة عاني الميزان التجاري الصيني/ الألماني من التفاوت لصالح ألمانيا. ولكنه كان تفاوتا محمودا وتم تجاوزه بعد سنوات. كان التفاوت لأن الصين استمرت لسنوات تستورد آلات ومستلزمات إنتاج من ألمانيا. فكان الهدف من الاستيراد هو بناء صناعة صينية تسهم في بناء اقتصاد القيمة المضافة الذي هو أساس النمو الاقتصادي المتواصل والثابت في أي بلد.
    ولكن في العلاقات الاقتصادية المصرية الصينية يختلف الوضع. يغلب علي الاستيراد المصري من الصين الطابع الاستهلاكي الذي لا يسهم في بناء صناعة أو زراعة وإنما يقود في غالبية الأحوال إلي المنافسة غير العادلة وإغلاق صناعات مهمة وتسريح عمالة. صرخنا منذ فترة طويلة عندما تعرضت صناعة الجوارب الرجالي المصرية للمنافسة غير العادلة مع تلك الجوارب الرخيصة المقبلة من الصين التي كانت تطرح علي أرصفة الشوارع في كل المدن المصرية. كانت الجوارب المصرية تصنع فيما نسميه القطاع المتوسط والصغير. تركزت هذه الوحدات أساسا في منطقة شبرا الخيمة وكانت تستوعب أعدادا من العمال والعاملات من القاهرة ومن القليوبية. لم يستمع أحد لصراخنا ولم يعبأ مسئول بخطورة ما كان يحدث من تغير في نمط استهلاك المواطن المصري. فالمواطن المصري الفقير ومحدود الدخل كان ولا يزال معذورا لأنه يجد أمامه سلعة رخيصة وهو لا يستطيع شراء الأخري الأغلي منها علي الرغم من فارق الجودة. فكان يشتري الجورب الصيني الرخيص ويتباعد عن ذلك المصري الأعلي سعرا بغض النظر عن الجودة ونوع الخامة. وبالقطع لم يكن مدركا أن شراءه الجورب الصيني يسهم في إغلاق الوحدات المصرية وتسريح العمال وفي الوقت نفسه الذي يزيد من ميل الميزان التجاري لصالح الصين. لا تدخل القضايا الكلية الكبيرة في حسابات المواطن البسيط. الذي يهمه هو السلعة وثمنها.
    فالتفاوت في الميزان التجاري المصري الصيني لم يكن بسبب استيراد مصر آلات أو مستلزمات إنتاج صناعية أو زراعية وإنما كان بسبب استيراد سلع استهلاكية تبدأ من لعب الأطفال لتمر بأدوات المطبخ والملابس الداخلية الرجالي وعلب السجائر والسلع الجلدية والأحذية والمنسوجات المصنعة من الألياف الصناعية وصولا لما هو جد خطير وهو المنتجات الحرفية الفرعونية والعربية التي كانت تحمل التراث المصري الأصيل المتمركز في خان الخليلي وفي مدينة الأقصر وغيرهما من المناطق السياحية. لذا يمكن تصور كم الورش والوحدات الحرفية المتوسطة والصغيرة التي أغلقت وتم تسريح عمالها منذ أن نشط التجار في عملية الاستيراد هذه, هكذا بلا ضابط ولا رابط وبلا رقابة حكومية حقيقية.
    وبالعين المجردة يمكن القول إن هذه التجارة تضاعف نشاطها منذ 25 يناير 2011 بسبب التسيب العام في البلاد وغياب الانضباط. ثم تفاعل هذا النشاط مع الزيادة في معدلات البطالة فخلق أسلوبه في تصريف بضائعه وانتشارها في جميع شوارع المدن. وجد التجار من يصرف لهم سلعهم ووجد المتعطلون فرصة لكسب لقمة عيش. كما خلق هؤلاء التجار نمطا لعلاقة عمل جديدة يصعب وصفها بعلاقة عمل أو بعلاقة مقاولة. يحصل التجار من كل بائع متعامل معهم علي صور من أوراق ثبوت الهوية ثم علي إيصال أمانة بثمن السلع التي يسلمها له. فيضمن عدم هروب هذا البائع كما يضمن فلوسه التي استثمرها في الاستيراد. وبحسبة صغيرة يمكن الوصول إلي حجم هذه التجارة الاستهلاكية. فمصر تصدر بما قيمته مليار ونصف المليار من الدولارات في الوقت الذي تستورد فيه من الصين بما قيمته ثمانية مليارات دولار. مما يشير إلي أن حجم هذه التجارة قد يصل إلي نحو ستة مليارات ونصف المليار دولار وهو حجم كبير بالنسبة لدولة تعاني أزمة اقتصادية تحاول علاجها بالاقتراض أو بدعوة الاستثمارات الخارجية للعمل فيها.
    والمفارقة أن هذه التجارة لا تتعامل مع الوحدات الصناعية الكبيرة في الصين وإنما تتعامل مع الوحدات الصغيرة التي لا تخضع لرقابة حقيقية من الدولة الصينية. فالتجار يسعون إلي أرخص السلع غير مراعين الجودة أو الصلاحية أوالأضرار التي قد تسبب المتاعب للمستهلك المصري. وهي تجارة تقوي من القطاع المتوسط والصغير الصيني وفي الوقت نفسه تغلق القطاع المتوسط والصغير والحرفي المصري. والقطاع المتوسط والصغير والحرفي في أي مجتمع هو القطاع الأسرع في توليد فرص العمل والإسهام في محاصرة البطالة لأنه القطاع الأكبر في استيعاب العمالة. أليست هذه مفارقة اقتصادية حقيقية في علاقة اقتصادية بين بلد نام يسعي للخروج من أزمة وبين بلد يقولون أنه من البلدان الصاعدة؟.
    ليست هذه الإشكالية مصرية/ صينية فحسب ولكنها تنتشر في غالبية الدول الفقيرة. إلا أنها تعاظمت في مصر خلال السنة الماضية وسوف تتعاظم إن لم يعد ترتيب البيت المصري من الداخل. فنحن نعلم أن مصر تتجه إلي تطور رأسمالي خالص بما يعني أنها ستلتزم بقوانين التجارة العالمية بكل دقة. وحتي إن لم نوافق علي هذا التوجه الرأسمالي الخالص فإننا دائما ما نؤكد أن للرأسمالية ضوابطها وطرقها لحماية سوقها وناسها العاملين. لذا بات مطلوبا الآن إعادة النظر في واقع ومستقبل الوحدات المتوسطة والصغيرة لنزيح من أمامها فرص المنافسة غير العادلة التي واجهتها ولا تزال تواجهها. فالدولة عليها أن تطبق علي عملية استيراد السلع الصينية قوانين شروط الجودة التي تراقب الصلاحية والأسعار, بحيث تتيح فرص المنافسة العادلة بين منتج مصري وآخر صيني أو أي أجنبي آخر. علي الدولة أن تتخذ هذا الإجراء ليس فقط حماية لوحداتنا المتوسطة والصغيرة وعمالتها وإنما بالإضافة, حماية المستهلك المصري المنهك اقتصاديا الذي لا يعرف بالضبط متي ستقضي عليه هذه السجائر الرخيصة المستوردة من الصين.. ولا نتصور أن تطبيق قوانين شروط الجودة تتناقض مع المصالح الرأسمالية المنتجة أو تكلف الميزانية المصرية أي مبالغ.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء سبتمبر 25, 2024 1:19 pm